فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله عزّ وجلّ: {أرأيت الذي يكذب بالدين}
قيل نزل في العاص بن وائل السّهمي، وقيل في الوليد بن المغيرة، وقيل في عمرو بن عائذ المخزومي، وفي رواية عن ابن عباس أنها في رجل من المنافقين، ومعنى الآية هل عرفت الذي يكذب بيوم الجزاء، والحساب، فإن لم تعرفه.
{فذلك الذي يدع اليتيم} ولفظ أرأيت استفهام، والمراد به المبالغة في التّعجب من حال هذا المكذب بالدين وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل هو خطاب لكل واحد، والمعنى أرأيت يا أيها الإنسان أو يا أيّها العاقل هذا الذي يكذب بالدين بعد ظهور دلائله، ووضوح بيانه، فكيف يليق به ذلك الذي يدع اليتيم، أي يقهره، ويدفعه عن حقه، والدع الدفع بعنف، وجفوة، والمعنى أنه يدفعه عن حقه، وماله بالظلم، وقيل يترك المواساة له وإن لم تكن المواساة واجبة، وقيل يزجره، ويضربه، ويستخف به، وقرئ يدعو بالتخفيف، أي يدعوه ليستخدمه قهرًا واستطالة.
{ولا يحض على طعام المسكين} أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه يكذب بالجزاء، وهذا غاية البخل، لأنه يبخل بماله وبمال غيره بالإطعام.
قوله تعالى: {فويل للمصلين} يعني المنافقين، ثم نعتهم فقال تعالى: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} روى البغوي بسنده عن سعد قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال إضاعة الوقت» وقال ابن عباس: هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس.
ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم لقوله تعالى: {الذين هم يراؤون} وقال تعالى في وصف المنافقين {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس} وقيل ساه عنها لا يبالي صلى أو لم يصل، وقيل لا يرجون لها ثوابًا إن صلوا ولا يخافون عليها عقابًا إن تركوا، وقيل غافلون عنها ويتهاونون بها، وقيل هم الذين إن صلوا صلوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عليها وقيل هم الذين لا يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون ركوعها، ولا سجودها، وقيل لما قال تعالى عن صلاتهم ساهون بلفظة عن علم أنها في المنافقين، والمؤمن قد يسهو في صلاته والفرق بين السهوين أن سهو المنافق هو أن لا يتذكرها، ويكون فارغًا عنها، والمؤمن إذا سها في صلاته تداركه في الحال، وجبره بسجود السهو فظهر الفرق بين السّهوين، وقيل السّهو عن الصّلاة هو أن يبقى ناسيًا لذكر الله في جميع أجزاء الصّلاة، وهذا لا يصدر إلا من المنافق الذي يعتقد أنه لا فائدة في الصّلاة، فأما المؤمن الذي يعتقد فائدة صلاته، وأنها عليه واجبة، ويرجو الثواب على فعلها، ويخاف العقاب على تركها، فقد يحصل له سهو في الصّلاة يعني أن يصير ساهيًا في بعض أجزاء الصّلاة بسبب وارد يرد عليه بوسوسة الشّيطان أو حديث النّفس، وذلك لا يكاد يخلو منه أحد، ثم يذهب ذلك الوارد عنه، فثبت بهذا الفرق أن السّهو عن الصّلاة من أفعال المنافق والسّهو في الصّلاة من أفعال المؤمن.
{الذين هم يراؤون} يعني يتركون الصّلاة في السّر ويصلونها في العلانية، والفرق بين المنافق، والمرائي أن المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، والمرائي يظهر الأعمال مع زيادة الخشوع ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدّين والصّلاح أما من يظهر النّوافل ليقتدى به ويأمن على نفسه من الرّياء، فلا بأس بذلك وليس بمراء ثم وصفهم بالبخل.
فقال تعالى: {ويمنعون الماعون} روي عن علي أنه قال هي الزكاة، وهو قول ابن عمر والحسن، وقتادة، والضحاك ووجه ذلك أن الله تعالى ذكرها بعد الصلاة فذمهم على ترك الصّلاة ومنع الزكاة، وقال ابن مسعود: الماعون الفاس والدلو والقدر، وأشباه ذلك، وهي رواية عن ابن عباس، ويدل عليه ما روي عنه قال كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدّلو، والقدر، أخرجه أبو داود، وقال مجاهد: الماعون العارية وقال عكرمة: الماعون أعلاه الزكاة المفروضة، وأدناه عارية المتاع، وقال محمد بن كعب القرظي: الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم وقيل أصل الماعون من القلة فسمي الزّكاة والصّدقة، والمعروف ماعونًا لأنه قليل من كثير، وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء، والملح، والنار، ويلتحق بذلك البئر، والتنور في البيت فلا يمنع جيرانه من الانتفاع بهما، ومعنى الآية الزجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة، فإن البخل بها في نهاية البخل قال العلماء ويستحب أن يستكثر الرجل في بيته مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ويتفضل عليهم ولا يقتصر على الواجب، والله أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

سورة الماعون مختلف فيها وهي سبع آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَرَءيْتَ الذي يُكَذّبُ بالدين}
أي هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو إن لم تعرفه {فَذَلِكَ الذى} يكذب بالجزاء هو الذي {يَدُعُّ اليتيم} أي يدفعه دفعًا عنيفًا بجفوة وأذى ويرده ردًا قبيحًا بزجر وخشونة {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين، جعل علم التكذيب الجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف أي لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لخشي الله وعقابه ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه دل أنه مكذب بالجزاء.
ثم وصل به قوله: {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ الذين هُمْ يُرَاءونَ وَيَمْنَعُونَ الماعون} يعني بهذا المنافقين لا يصلونها سرًا لأنهم لا يعتقدون وجوبها ويصلونها علانية رياء.
وقيل: فويل للمنافقين الذين يدخلون أنفسهم في جملة المصلين صورة وهم غافلون عن صلاتهم، وأنهم لا يريدون بها قربة إلى ربهم ولا تأدية للفرض فهم ينخفضون ويرتفعون ولا يدرون ماذا يفعلون، ويظهرون للناس أنهم يؤدون الفرائض ويمنعون الزكاة وما فيه منفعة.
وعن أنس والحسن قالا: الحمد لله الذي قال: {عَن صلاتهم} ولم يقل (في صلاتهم) لأن معنى {عن} أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها ذلك فعل المنافقين، ومعنى (في) أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس وذلك لا يخلو عنه مسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلًا عن غيره.
والمراءاة مفاعلة من الإراءة لأن المرائي يرائي الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائيًا بإظهار الفرائض فمن حقها الإعلان بها لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا غمة في فراض الله» والإخفاء في التطوع أولى فإن أظهره قاصدًا للاقتداء به كان جميلًا، والماعون: الزكاة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: ما يتعاور في العادة من الفأس والقدر والدلو والمقدحة ونحوها، وعن عائشة رضي الله عنها: الماء والنار والملح والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة الماعون:
{أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين}
قيل: إن هذه نزل في أبي جهل وأبي سفيان بن حرب، وقيل: هو مطلق والدين هنا الملة أو الجزاء {فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم} أي يدفعه بعنف، وهذا الدفع يحتمل أن يكون عن إطعامه، والإحسان إليه أو عن ماله وحقوقه، وهذا أشدّ والذي لا يحض على طعام المسكين لا يطعمه من باب أولى. وهذه الجملة هي جواب أرأيت لأن معناها: أخبرني، فكأنه سؤال وجواب والمعنى: انظر الذي كذب بالدين، تجد فيه هذه الأخلاق القبيحة، والأعمال السيئة، وإنما ذلك لأن الدين يحمل صاحبه على فعل الحسنات. وترك السيئات فمقصود الكلام ذمّ الكفار وأحوالهم {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} قيل: إن هذا نزل في عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق، والسورة على هذا نصفها مكي ونصفها مدني قاله أبو زيد السهيلي. وذلك أن ذكر أبي جهل وغيره من الكفار أكثر ما جاء في السور المكية، وذكر السهو عن الصلاة والرياء فيها، إنما هو من صفة الذين كانوا بالمدينة، لاسيما على قول من قال: أنها في عبد الله بن أبيّ، وقيل: إنها مكية كلها وهو الأشهر، ونزل آخرها على هذا في رجل أسلم بمكة ولم يكن صحيح الإيمان، وقيل: مدنية، والسهو عن الصلاة هو تركها أو تأخيرها تهاونًا بها.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون، قال: الذين يؤخرونها عن وقتها.
وقال عطاء بن يسار: الحمد لله الذي قال: {هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ} ولم يقل في صلاتهم.
{الذين هُمْ يُرَاءُونَ} هو من الرياء أي صلاتهم رياء للناس لا لله {وَيَمْنَعُونَ الماعون} وصف لهم بالبخل وقلة المنفعة للناس. وي الماعون أربعة أقوال: الأول أنه الزكاة، والثاني أنه المال بلغة قريش. الثالث أنه الماء.
الرابع: أنه ما يتعاطاه الناس بينهم كالآنية والفأس والدلو والمقص، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ فقال الماء والنار والملح وزاد في بعض الطرق: الإبرة والخميرة. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة الماعون مختلف فيها، وآيها سبع آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَرَأَيْتَ} استفهام معناه التعجب، وقرئ: {أريت} بلا همز إلحاقًا بالمضارع، ولعل تصديرها بحرف الاستفهام سهل أمرها و{أرأيتك} بزيادة الكاف.
{الذى يُكَذّبُ بالدين} بالجزاء أو الإِسلام والذي يحتمل الجنس والعهد ويؤيد الثاني قوله: {فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم} يدفعه دفعًا عنيفًا. وهو أبو جهل كان وصيًا ليتيم فجاءه عريانًا يسأله من مال نفسه فدفعه، أو أبو سفيان نحر جزورًا فسأله يتيم لحمًا فقرعه بعصاه، أو الوليد بن المغيرة، أو منافق بخيل. وقرئ: {يَدع} أي يترك.
{وَلاَ يَحُضُّ} أهله وغيرهم.
{على طَعَامِ المسكين} لعدم اعتقاده بالجزاء ولذلك رتب الجملة على {يُكَذّبُ} بالفاء.
{فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ} أي غافلون غير مبالين بها.
{الذين هُمْ يُرَاءونَ} يرون الناس أعمالهم ليروهم الثناء عليهم.
{وَيَمْنَعُونَ الماعون} الزكاة أو ما يتعاور في العادة والفاء جزائية. والمعنى إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصلاة التي هي عماد الدين والرياء الذي هو شعبة من الكفر، ومنع الزكاة التي هي قنطرة الإِسلام أحق بذلك ولذلك رتب عليها الويل، أو للسببية على معنى {فَوَيْلٌ} لهم، وإنما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على سوء معاملتهم مع الخالق والخلق.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة أرأيت غفر له أن كان للزكاة مؤديًا». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة الماعون:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بالدين (1)}
الظاهر أن {أرأيت} هي التي بمعنى أخبرني، فتتعدى لاثنين، أحدهما الذي، والآخر محذوف، فقدره الحوفي: أليس مستحقًا عذاب الله، وقدره الزمخشري: من هو، ويدل على أنها بمعنى أخبرني.
قراءة عبد الله أرأيتك بكاف الخطاب، لأن كاف الخطاب لا تلحق البصرية.
قال الحوفي: ويجوز أن تكون من رؤية البصر، فلا يكون في الكلام حذف، وهمزة الاستفهام تدل على التقرير والتفهيم ليتذكر السامع من يعرفه بهذه الصفة.
والدين: الجزاء بالثواب والعقاب.
وقال الزمخشري: والمعنى هل عرفت الذي يكذب بالجزاء؟ هو الذي {يدع اليتيم}: أي يدفعه دفعًا عنيفًا بجفوة أو أذى، {ولا يحض}: أي ولا يبعث أهله على بذل الطعام للمسكين.
جعل علم التكذيب بالجزاء، منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، انتهى.
وقرأ الجمهور: {يدع} بضم الدال وشد العين؛ وعليّ والحسن وأبو رجاء واليماني: بفتح الدال وخف العين، أي يتركه بمعنى لا يحسن إليه ويجفوه.
وقرأ الجمهور: {ولا يحض} مضارع حض؛ وزيد بن علي: يحاض مضارع حاضضت.
وقال ابن عباس: {بالدين}: بحكم الله.
وقال مجاهد: بالحساب، وقيل: بالجزاء، وقيل: بالقرآن.
وقال إبراهيم ابن عرفة: {يدع اليتيم}: يدفعه عن حقه.
وقال مجاهد: يدفعه عن حقه ولا يطعمه، وفي قوله: {ولا يحض} إشارة إلى أنه هو لا يطعماذا قدره، وهذا من باب الأولى، لأنه إذا لم يحض غيره بخلًا، فلان يترك هو ذلك فعلًا أولى وأحرى، وفي إضافة طعام إلى المسكين دليل على أنه يستحقه.
ولما ذكر أولًا عمود الكفر، وهو التكذيب بالدين، ذكر ما يترتب عليه مما يتعلق بالخالق، وهو عبادته بالصلاة، فقال: {فويل للمصلين}.
والظاهر أن المصلين هم غير المذكور.
وقيل: هو داع اليتيم غير الحاض، وأن كلًا من الأوصاف الذميمة ناشئ عن التكذيب بالدين، فالمصلون هنا، والله أعلم، هم المنافقون، ثبت لهم الصلاة، وهي الهيئات التي يفعلونها.
ثم قال: {الذين هم عن صلاتهم ساهون}، نظرًا إلى أنهم لا يوقعونها، كما يوقعها المسلم من اعتقاد وجوبها والتقرب بها إلى الله تعالى.
وفي الحديث عن صلاتهم ساهون: «يؤخرونها عن وقتها تهاونًا بها» قال مجاهد: تأخير ترك وإهمال.
وقال إبراهيم: هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا ملتفتًا.
وقال قتادة: هو الترك لها، أو هم الغافلون الذين لا يبالي أحدهم أصلى أم لم يصل.
وقال قطرب: هو الذي لا يقر ولا يذكر الله تعالى.
وقال ابن عباس: المنافقون يتركون الصلاة سرًا ويفعلونها علانية، {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} ويدل على أنها في المنافقين قوله تعالى: {الذين هم يراءون}، وقاله ابن وهب عن مالك.
قال ابن عباس: ولو قال في صلاتهم لكانت في المؤمنين.
وقال عطاء: الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم.
وقال الزمخشري: بعد أن قدم فيما نقلناه من كلامه ما يدل على أن {فذلك الذي يدع} في موضع رفع، قال: وطريقة أخرى أن يكون {فذلك} عطفًا على {الذي يكذب}، إما عطف ذات على ذات، أو عطف صفة على صفة، ويكون جواب {أرأيت} محذوفًا لدلالة ما بعده عليه، كأن قال: أخبرني وما تقول فيمن يكذب بالجزاء، وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين، أنعم ما يصنع؟ ثم قال: {فويل للمصلين}: أي إذا علم أنه مسيء، {فويل للمصلين} على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم لأنهم كانوا مع التكذيب، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم.
فإن قلت: كيف جعلت المصلين قائمًا مقام ضمير {الذي يكذب}، وهو واحد؟
قلت: معناه الجمع، لأن المراد به الجنس، انتهى.
فجعل فذلك في موضع نصب عطفًا على المفعول، وهو تركيب غريب، كقولك: أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا، فالمتبادر إلى الذهن أن فذلك مرفوع بالابتداء، وعلى تقدير النصب يكون التقدير: أكرمت الذي يزورنا فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا.
فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكن تمكن ما هو فصيح، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى الذي يزورنا، بل الفصيح أكرمت الذي يزورنا فالذي يحسن إلينا، أو أكرمت الذي يزورنا فيحسن إلينا.
وأما قوله: إما عطف ذات على ذات فلا يصح، لأن فذلك إشارة إلى الذي يكذب، فليسا بذاتين، لأن المشار إليه بقوله: {فذلك}هو واحد.
وأما قوله: ويكون جواب {أرأيت} محذوفًا، فلا يسمى جوابًا، بل هو في موضع المفعول الثاني لأرأيت.
وأما قوله: أنعم ما يصنع، فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على نعم ولا بئس، لأنهما إنشاء، والاستفهام لا يدخل إلى على الخبر.
وأما وضعه المصلين موضع الضمير، وأن المصلين جمع، لأن ضمير الذي يكذب معناه الجمع، فتكلف واضح ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلا على ما اقتضاه ظاهر التركيب، وهكذا عادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة.
وتقدّم الكلام في الرياء في سورة البقرة.
وقرأ الجمهور: يراءون مضارع راأى، على وزن فاعل؛ وابن أبي إسحاق والأشهب: مهموزة مقصورة مشدّدة الهمزة؛ وعن ابن أبي إسحاق: بغير شد في الهمزة.
فتوجيه الأولى إلى أنه ضعف الهمزة تعدية، كما عدوا بالهمزة فقالوا في رأى: أرى، فقالوا: راأى، فجاء المضارع بأرى كيصلى، وجاء الجمع يروّون كيصلون، وتوجيه الثانية أن استثقل التضعيف في الهمزة فخففها، أو حذف الألف من يراءون حذفًا لا لسبب.
{ويمنعون الماعون}، قال ابن المسيب وابن شهاب: الماعون، بلغة قريش: المال.
وقال الفرّاء عن بعض العرب: الماعون: الماء.
وقال ابن مسعود وابن عباس وابن الحنفية والحسن والضحاك وابن زيد: ما يتعاطاه الناس بينهم، كالفأس والدلو والآنية.
وفي الحديث: «سئل صلى الله عليه وسلم عن الشيء الذي لا يحل منعه فقال: الماء والملح والنار» وفي بعض الطرق: الإبرة والخمير.
وقال علي وابن عمر وابن عباس أيضًا: الماعون: الزكاة، ومنه قول الراعي:
أخليفة الرحمن إنا معشر ** حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

عرب نرى لله من أموالنا ** حق الزكاة منزلًا تنزيلا

قوم على الإسلام لما يمنعوا ** ما عونهم ويضيعوا التهليلا

يعني بالماعون: الزكاة، وهذا القول يناسبه ما ذكره قطرب من أن أصله من المعن، وهو الشيء القليل، فسميت الزكاة ماعونًا لأنها قليل من كثير، وكذلك الصدقة غيرها.
وقال ابن عباس: هو العارية.
وقال محمد بن كعب والكلبي: هو المعروف كله.
وقال عبد الله بن عمر: منع الحق.
وقيل: الماء والكلأ. اهـ.